الاثنين، 11 أكتوبر 2010

سكان مخيم أوتايا بعد الحريق... باقون فالحاجة أقسى من النيران

06

نور عكة – 11 تشرين الأوّل 2010

فرح الأطفال باحتراق خيم ذويهم كان لا يضاهى، فالتهام النار للخيم المتجاورة جعل القضبان الحديدية التي نصبت عليها الخيم الناجي الوحيد من الحريق، فعلقت عليها  أماني وصديقاتها الحبال ونصبن أرجوحة ليلهون بها.

وبقرب الأرجوحة  وضع الأطفال حجرين فوق بعضهما البعض، ومدوا فوقهما عارضة من الخشب المتفحم بشكل أفقي، جلس على أحد طرفيها شقيق أماني وفي الطرف المقابل كان صديقه الذي علا صوته ضاحكاً "في العيد الماضي لم ألعب فلم يكن معي مال، وهنا اللعب ببلاش".

مخيم أوتايا الواقع على أطراف ريف دمشق واحد من مخيمات المهاجرين الذين نزحوا من محافظات الجزيرة السورية بعد موجة الجفاف التي بدأت منذ سبع سنوات، تعرض الأسبوع الماضي لحريق  أتى على 18 خيمة من خيمه، و هذا الحريق الثاني منذ العام الماضي، واقتصرت الأضرار على الماديات،حيث التهمت النيران كامل الخيم مع أثاثها ولجأت الأسر المنكوبة إلى خيم جيرانها ريثما يقوموا بتجهيز خيم جديدة. 

لم يكن حال الأهالي كأبنائهم، فأحمد صاحب أحد الخيم المحترقة كان ينظر لمكان خيمته صامتاً إلى أن صرخ على الأولاد ليلعبوا بعيدا ويقول"لم أعد أدري ما أفعل ، هنا في المخيم نستأجر هذه الأراضي بمبلغ 1500ليرة في الشهر ولكن بعد احتراق خيمتي ، يريد أصحاب الأرض زيادة المبلغ ليصبح ألفي ليرة ، فرغم نكبتي وخسارتي لأغراض بيتي يطمعون بالحصول على المزيد، فأنا أعمل عند أصحاب المزارع ودخلي غير ثابت، ويصل لمائتي ليرة في اليوم الجيد، الحال يزداد سوءاً ولا أحد يدري بنا".

الشرطة عزت الحريق إلى ماس كهربائي، لكن أحداً في المخيم لا يعرف سببه، فقال أحمد "فوجئت بمنظر النار تشب من الجهة الغربية لخيمتي في الساعة التاسعة مساء وتلتهم الخيم بسرعة كبيرة ولم نعرف مصدرها" .

عدنان ذي السنوات الخمس كان غاضباً من زميله الطفل عيسى ويطارده بعصا في المكان وعندما عجز عن الإمساك هدده قائلاً"والله سأحرق خيمة أهلك"مستوحياً وعيده من الخطر الذي يهدد المخيم دوماً، والخيمة المقصودة مصنوعة من أكياس الخيش البالي ومنصوبة على أعمدة خشبية، مساحتها تتراوح بين 10-15 متر مربع تقطنها عائلة أو أكثر، و تستخدم لكافة أغراض المعيشة من جلوس ونوم وطعام وحمام، و الأرض التي نصبت عليها مستأجرة، وفي مخيم أوتايا المحترق كان أجر مكان الخيمة الواحد 1000ليرة شهريا مضاف إليها 500 ليرة للكهرباء و200للماء، وكلها تؤول لصاحب الأرض الذي حشر 18 خيمة في مكان لا تتعدى مساحته 1000متر مربع.

"ومع ذلك لا تعجبهم الأسعار ..يريدون رفعها حتى لو أحرقونا بلا رحمة" قال ذلك الشاب عامر لم يتوقف عن اتهام الجوار بأنهم وراء الحريق وتابع" منذ احتراق خيمتي ابحث عن مكان جديد بعد أن رفض صاحب الأرض تأجيري مرة أخرى  لكن الأجر المطلوب زاد ليصبح ألفي ليرة  للخيمة الواحدة عدا الكهرباء والماء، وهم يرفعون الأسعار بشكل تدريجي فعندما جئنا لم يكن الأجر يتعدى الـ500 ليرة".

يعتقد المنكوبون أن الدولة يجب أن تبادر إلى إعانتهم ويبدون خيبتهم من تجاهل الجهات المعنية لهم فيقول أحد الشباب الذي لم يرغب بالكشف عن اسمه "جاء اللبنانيون في حرب تموز واحتضنتهم الدولة والشعب وقدمت لهم البيوت والإعانات الغذائية،وجاء العراقيون فقدمنا لهم كل شيء، و قبلهم جاء الفلسطينيون وقدمنا لهم صدر البيت، أما نحن   مواطنون خدمنا في الجيش وعملنا من أجل البلد لماذا يتم تجاهلنا واحتقارنا بهذا الشكل؟، ونسمع عن الكثير من الإعانات المقدمة لنا من قبل الدولة وجهات عالمية ولكننا لم نحصل على كاسة سكر".

على أطراف المخيم المحترق كانت وضحة الأربعينية ترعى الأطفال بغياب ذويهم في العمل شرحت معاناة سكان المخيم قائلة "نحن من محافظة الحسكة من قرى..مرقدة والشدادي والعريشة، هاجرنا منذ خمس سنوات عندما انقطع المطر وجف نهر الخابور ولم تعد أرضنا تطعمنا، فجئنا للشام لنعمل ونأكل الخبز، ونحن كما ترون وراءنا الجوع في الجزيرة وأمامنا هنا الضنك والبهدلة".

تقدر منظمة اليونسف أعداد المهاجرين من الجزيرة السورية للأسباب التي شرحتها وضحة بـ800 ألف فيما يرتفع هذا العدد إلى المليون وفق أقوال المهاجرين،ويتوزع هؤلاء في كافة المحافظات السورية كريف دمشق وطرطوس ودرعا والسويداء وغيرها، ومخيم أوتايا يضم تجمعات متفرقة  لأكثر من ثلاثمائة خيمة لهؤلاء، ويقطن فيها ما يقارب الـ3000 شخص بحسب تصريحات الأهالي.

يسرح أطفال المخيم ويمرحون من مختلف الأعمار في الساحة المحترقة، جميعهم متسربون من المدارس، وبالسؤال عما إذا كان الأهالي يتعرضون للمساءلة حول ذلك كون التعليم إلزامي وعلى مسؤولية الأهل قال طراد" إن أحداً لم يسأل عن ذلك، وعندما ذهب ابني إلى المدرسة القريبة لبضعة أيام اضطر إلى مغادرتها لتعرضه لمضايقة الأطفال من أهالي المنطقة الأصليين لأنه غريب"، ثم كشف عن مشكلة أخطر تتمثل في كون معظم الأطفال الذين ولدوا هنا غير مسجلين في السجل المدني، لأن ذلك يقتضي الذهاب إلى القرى الأصلية البعيدة ويكلفهم نفقات باهظة عدا  الغرامات  التي تفرضها الدولة على التأخير.

وبالسؤال عن المشاكل القانونية والمدنية التي قد يتعرض لها الأطفال مستقبلا قال الشاب عامر هازئاً"نحن الكبار بلا بطاقات ولا أي إثبات،معظمنا التهم الحريق بطاقاته ودفاتر عائلاته، وما يجدر بنا أن نقلق عليه فعلاً هو فقدان البطاقات التموينية وحرماننا من السكر والرز المدعومين".

يؤكد الشاب عامر أن الحريق لو شب بعد ساعة من وقوعه عندما ينام سكان المخيم هدهم التعب لخلف كارثة وحصد عشرات الأرواح، لكن ذلك التهديد كما كل المخاطر الأخرى لم يكن كفيلاً بإقناعهم بمغادرة المخيمات والعودة لقراهم ، فعند مغادرتنا ووصولنا لمدخل المخيم صدفنا عائلة من أصحاب الخيم المحترقة تحمل أكياساً فيها قماش وأوتاداً خشبية، يتقدمها أبو خلف رب الأسرة قائلاً "سوف نشيد خيمة جديدة بالرغم من خطر الحريق ، ماذا نفعل؟ ليس لدينا مكاناً آخر يأوينا".

سيريانيوز

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق